|
كان يسكن في هذه الجزيرة بعض بقايا بني أمية ممن هرب من وجه العباسيين ولجأ الى بلاد النوبة , ثم طلب منهم ملك النوبة ان يرحلوا من بلاده لأنه لا يريد أن يدخل في منازعات مع العباسيين في مصر بسبب وجودهم في ارضه . ورحلوا من دنقلا وعبروا أراضي شنقير متجهين شرقا حتى وصلوا الى ارض البجة .. وهناك اشتبكوا مع البجة في مناوشات كثيرة حتى وصلوا سواحل البحر الأحمر , فوجدوا هذه الجزيرة التي يمكن ان يخاض اليها من البر السوداني . .
أستطاع هؤلاء الأمويون الفارون عبور ماء البحر الأحمر واللجوء الى تلك الجزيرة وعاشوا فيها بعيداً عن متناول البجة , إذ أن المكان كان وما زال مقفراً لا يسكنه أحد, واقرب جماعة كانت تسكن على مرحلة يوم واحد من الساحل .
نزل الركب الأموي في الجزيرة وبنوا دورهم ومسجد المدينة وعاشوا فيها زمناً طويلاً ,, وفي ذات يوم وصل الجزيرة رجل غريب ليس من أهلها , ولم يعرف أهل الجزيرة كيف وصل أو من اين جاء , وأقتيد الى الملك , فتركه يعيش بينهم في الجزيرة , ثم مالبث هذا الرجل أن أستقطب ود الملك وصار من أصفيائه , وتقرب أليه أكثر وطلب منه في آخر الأمر أن يزوجه أبنته . ورحب الملك بالمصاهرة , ولكن بقية من المقربين إليه من والاقرباء اعترضوا على ذلك لأن الرجل كان مجهول النسب والحسب وليس له عشيرة يعتد بها . ولكن الملك كان تحت تأثير هذا الرجل فاصر على قبوله صهراً له . وتم الزواج بالفعل وأنجبت زوجة الرجل المجهول ولداً .
وهنا لم يستطع رجال الجزيرة هضم وجود هذا الرجل بينهم فاستقر رأيهم على قتله . وبالفعل نفذوا تلك الفعلة في أحد الأيام وقتلوه , وحملوا رأسه الى الملك ليؤكدوا ما فعلوه .
وكان أهل الجزيرة يعملون في جمع اللآلئ من البحر . وكانوا يدفعون الصدقات والضرائب من تلك اللآلئ للملك . ثم إنهم جعلوا من جمجمة هذا الرجل الذي قُتِل مداً لكي يكيلوا به تلك اللآلئ وغيرها . واصبح المُّد معروفاً لديهم .
في هذا الوقت كان ابن الرجل ينمو ويكبر وقد أطلق عليه أهالي الجزيرة " ابن مُد " إمعاناً في الإزدراء به وتحقيراً له . وعرف بهذا اللقب بين زملائه . ولصغر سنه لم ير في ذلك شيئاً .
وحدث في أحد الأيام بينه وبين أحد زملائه خلاف , فسبه زميله بأنه ابن مد , وانه لا اب له . وحز ذلك في نفس الصبي ولم يقبل الأستهزاء به , وذهب الى بيته . وهناك سئل أمه عن حقيقة أسمه . ولم تشأ الأم في بادئ الأمر أن تقول الحقيقة . وان تذكر له بأن أخواله هم الذين قتلوا أباه . وكان والده قد ترك بعض المخلفات لدى الزوجة وكان من بين ما ترك وراءه المصحف الشريف وفيه سلسلة نسبه , واشياء أخرى . وحفظ الأبن هذه الاشياء لدى امه حــتى بلغ سن الشباب .
وفي يوم من الأيام أختفى ابن مد من الجزيرة ولم يعثر له على أثر في جزيرة عيري , ولم يستطع أحد من الأهالي معرفة المكان الذي ذهب اليه . ولما لم يكن أمره بذي أهمية لأهل الجزيرة فإن الأمر طوي في زوايا النسيان .
وسارت الأمور في الجزيرة كما كانت عليه دون أن يكون لأبن مد مجال في أحداث الجزيرة اليومية .
بعد فترة من اختفاء أبن مد عن الجزيرة أطلت على شاطئها قطع من اسطول بحري عليها رجال مقاتلون وأحاطت بالجزيرة من كل جانب وقطعت المعبر المائي الذي لم يكن عميقاً حتى لا يهرب سكان الجزيرة إلى البر البجاوي سباحة او خوضاً . ثم أحكموا تطويقها وأخذوا يقصفونها بقنابل على حد قول الراوي وتساقطت هذه القنابل على البيوت والمباني , واخذت تدمرها , ونفذت أقوات الاهالي ولم يستطيعوا أختراق الحصار البحري .ولم يبق لديهم طعام او شراب إذ أن الماء الذي في ممتلكاتهم ليست بذات قيمة .
وذكر الراوي بأنهم كانوا يعرضون لبعضهم بعضا مُدّ اللآلئ ليستبدل بمد من الذرة . وضاقت بهم الحال , ثم أخذ بعضهم يتسلل من الجزيرة جماعات وأقرادا, فمنهم من قتل وهو يسبح في البحر ومنهم من لقي حتفه عند نزول بعض القوات الغازية الى الجزيرة . وما هي إلا ساعات حتى كان سكان الجزيرة إما طالباً النجاة بعد عبور البحر الى الأراضي السودانية , أو مسجّى على أرض الجزيرة مخضباَ بدمائه . وعرف أهل الجزيرة عند نزول القوات المعادية بأنها انت تحت قيادة أبن مد الذي كان يشير اليها بما تفعل ..
وهكذا أنتهت الحياة في الجزيرة وخلت من أهلها , وسقطت مبانيها ولكن كانت خزاناتها التي بنيت للمياه ما زالت باقية دون أن تبليها القرون وذلك عندما شاهدها الراوي عام 1939.
هناك تساؤلات تخطر على بال المرء عند سماع هذه القصة وهي ..
من هم سكان هذه الجزيرة ؟
ومتى وصلوا اليها ؟
وهل سبقهم شعب أخرى في أستيطانها ؟
ومن هو والد ابن مد ؟
ومن هم اصحاب القطع البحرية ؟
وكم قرناُ عاشا في الجزيرة .
اين تراهم ذهبوا عندما نجح بعضهم في الفرار .
وهل رميت الجزيرة بالقنابلة او عن طريق حجارة المنجنيق.
وكيف يزوج الملك أبنته لرجل ليس معروف نسبه ..
وما هو النسب المقصود في السلسلة التي اهدتها الام لأبنها
وغير ذلك من الأسئلة التي سوف تخطر بذهنكم .
وقد وجد المستر كروفوت أربعة شواهد قبور في الجزيرة نقشت فيها أسماء أشخاص وهم :
الوليد بن أحمد بن أبان المتوفي سنة 387هـ /997م
محمد بن ميمون بن أحمد بن الوليد المتوفي سنة 405هـ /1015م
كعب بن خليفة ابن عبدالله القيسي المتوفي سنة 427هـ /1035م
حسين بن عبدالله بن سعود بن الفضل الحوفي الذي حددت وفاته بين نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس الهجري ..
يقال أن الجزيرة تسمى جزيرة عيري ... ويطلق عليها ايضاً أسم جزيرة ابن مد . ويقال انها كانت إحدى الموانئ التي عاشت فيها مجموعات عربية مسلمة في خلال القرون الخمسة الأوائل من الهجرة .
وهناك جزيرة اخرى شمالي جزيرة عيري تعرف بأسم جزيرة ابن عباس ويطلق عليها اسم بهدور وهي مأوى لقبيلة الزبيدية العربية .. التي كانت تأتي من الجزيرة العربية ,, وحسب الكتاب فقد وجدت مقبرة قديمة بها وبها أربعا وعشرين قطعة من الشواهد منها سبعة من الأحجار المرجانية واما البقية فمن حجارة felsite وقد وضعت اربعة من هذه الشواهد والتي هي بحالة ممتازة في متحف الخرطوم مع بقايا زجاج وفخار مما وجد مبعثراً في الموقع
المصدر: هجرة القبائل العربية الى وادي النيل
المؤلف : ضــــرار صالح ضرار
الصفحة :242
|
